الإجراءات القانونية لإنشاء وتسجيل الشركات في السعودية
27-05-2025
يُعد اللجوء إلى القضاء حقاً أصيلًا لكل شخص يسعى لحماية حقه أو دفع ضرر عنه، وقد كفلكه الأنظمة والمواثيق المحلية والدولية. غير أن هذا الحق لا يُمارس على إطلاقه، بل يُفيد بشروط أهمها حسن النية وعدم التمسف. فعندما يُساء استخدام هذا الحق بطريقة تأحق الضرر بالغير، يُطرح تساؤل جوهري: هل يحق للمتضرر المطالبة بالتعويض عن أضرار التقاضي؟
هذا المقال يتناول النظام القانوني للتعويض عن أضرار التقاضي، وأبرز شروطه، وتطبيقاته في القضاء السعودي.
*أولاً: ما هو التعويض عن اضرار التقاضي:*
هو المبلغ المالي أو التعويض المعنوي الذي يلتزم به القضاء لتعويض طرفٍ ثبت تعسف أو سوء نيته في استخدام حق التقاضي، فتسبّب ذلك في إلحاق ضرر مادي (كأتعاب المحاماة والمصاريف القضائية وتعطل المصالح) أو معنوي (كالضغط النفسي وتشويه السمعة) بالطرف الآخر.
*ثانياً: أهمية وغاية التعويض عن اضرار التقاضي:*
1- ردع التعسف: يمنع رفع دعاوى كيدية أو مماطلة دون مبرر.
2- جبر الضرر: يعوّض المصاريف المادية (أتعاب محاماة...) والأذى المعنوي (ضغط نفسي، سمعة).
3- عادة التوازن: يعيد المتضرر إلى وضعه قبل الضرر.
4- تعزيز الثقة بالقضاء: يضمن للأفراد حماية حقيقية لحقوقهم ويشجع على اللجوء النظامي.
5- تحقيق العدل الشرعي: ينسجم مع مبدأ "لا ضرر ولا ضرار" في الشريعة.
*ثالثاً: الأساس الشرعي والقانوني للتعويض عن اضرار التقاضي:*
--- الأساس الشرعي:
أ- يستند إلى القاعدة الفقهية الجامعة "لا ضرر ولا ضرار" التي تلزم بردّ الحقوق وردع الاعتداء.
ب- أقرّها كبار الفقهاء، فرأوا أن من أخل بحقه أو ماطل بغير مبرر فعلى من تسبب في الضرر أن يعوّضه.
ج- ورد في كتب الفقه أن المماطل والكيد في الخصومة إذا ثبت تعسفه وجب عليه تعويض المتضرر ماليًا ومعنويًا، تأصيلًا لمبدأ جبران الضرر ورد المظالم.
--- الأساس القانوني في النظام السعودي:
أ- النظام الأساسي للحكم (المادة 47): حق التقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين والمقيمين في المملكة، ويبين النظام الإجراءات اللازمة لذلك.
ب- نظام المعاملات المدنية (المادة 28): من استعمل حقه استعمالاً مشروعًا لا يكون مسؤولًا عما ينشأ عن ذلك من ضرر.
ج- نظام المعاملات المدنية (المادة 29): لا يجوز التعسف في استعمال الحق.
2- يكون استعمال الحق تعسفيًا في الحالات الآتية:
أ- إذا لم يقصد بالاستعمال سوى الإضرار بالغير.
ب- إذا كانت المنفعة من استعماله لا تتناسب مطلقًا مع ما يسببه للغير من ضرر.
ج- إذا كان استعماله في غير ما شرع له أو لغاية غير مشروعة.
*رابعاً: شروط استحقاق التعويض عن اضرار التقاضي:*
1- ثبوت الحق المطالب به في الدعوى الأصلية أي أن يكون الحق واضحاً لا محلّ لنزاع حقيقي عليه بين الأطراف.
2- ثبوت تعسّف أو مماطلة المدعى عليه مثل رفع الدعوى أو استمرارها بقصد الإضرار، أو تأخير الإجراء من غير مبرر مشروع.
3- وقوع ضرر فعلي على المدعي (مثل ضرر مادي: أتعاب محاماة، مصاريف قضائية، خسائر أعمال، أو ضرر معنوي: ضغط نفسي، تشويه سمعة).
4- العلاقة السببية المباشرة أي أن يكون الضرر نتيجة مباشرة لسوء استعمال الحق في التقاضي، لا لاختيارات المدعي الشخصية.
5- حضور الدعوى أمام الجهة المختصة أي أن تُقدِّم دعوى التعويض أمام نفس الدائرة التي أصدرت الحكم في الدعوى الأصلية.
*خامساً: حالات رفض طلب التعويض:*
1- إذا لم يثبت الحق في الدعوى الأصلية (كان محل نزاع).
2- إذا لم يثبت ضرر فعلي (مثلاً: أتعاب محاماة اختارها المدعي طوعية).
3- من نظام المعاملات المدنية إذا كان استعمال الحق مشروعاً ينص قانوني (كالمادة 28).
*سادساً: تحديد قيمة دعوى التعويض عن اضرار التقاضي:*
يعتمد على ثلاث عوامل رئيسية:
أ- الأضرار المالية المباشرة: مثل الرسوم القانونية، وأتعاب المحاماة، وأي خسائر في الدخل أو تكاليف علاجية.
ب- الأضرار النفسية والمعنوية: تسند إلى تقارير طبية أو شهادات مختصّين لقياس مستوى القلق والتوتر والتأثير على السمعة.
ج- مدة التقاضي: كلما طالت فترة النزاع، زادت تكلفة التعويض لاعتبارات التحمل والمعاناة.
يُترك تحديد قيمة التعويض للقاضي، غير أنه ظهرت مؤخرًا في السعودية جهات خبرة يمكن للمتخاصمين اللجوء إليها، مثل منصة (خبير)، حيث يمكن الاستعانة بشركات محاماة أو خبراء متخصصين لتقدير أتعاب التقاضي وتقديمها للقاضي. ويجوز لأي من الطرفين الطعن في تقرير الخبير متى ما رأى مبررًا لذلك.
*سابعاً: آلية المطالبة بالتعويض:*
1- رفع دعوى مستقلة أمام المحكمة مصدرة الحكم.
2- إدراج عناصر الإثبات: مثل مستندات الدعوى الكيدية، أو إخلال الخصم، فواتير أتعاب المحاماة أو ما يثبت المصاريف.
3- تفصيل قيمة الضرر وتوضيح سبب ارتباطه بسلوك الخصم.
*ثامناً: ما هي مدة تقديم دعوى التعويض عن اضرار التقاضي:*
دعوى التعويض تسقط بعد خمس سنوات من علم المتضرر بالضرر. بعد هذه المدة، يُحرم المتضرر من المطالبة.
*تاسعاً: ما هي آلية تنفيذ أحكام التعويض عن اضرار التقاضي:*
تنفيذ حكم التعويض عن أضرار التقاضي يتم وفقاً للإجراءات العامة لتنفيذ الأحكام القضائية، ويكون عبر محكمة التنفيذ المختصة في نطاق المحكمة التي أصدرت الحكم. وتلتزم المحكمة بتنفيذ الحكم سواء تضمن تعويضاً مالياً أو إلزاماً بأداء حق، بعد التأكد من اكتسابه للصفة النهائية وقابلته للتنفيذ.
وفي النهاية علينا أن نعتبر أن التعويض عن أضرار التقاضي ضمانة لعدم استغلال القضاء كأداة للإضرار بالغير. وقد قررت الشريعة والنظام السعودي أصولاً رصينة لهذا التعويض، مع تشديد على تحقق شروط جلية قبل إلزام الخصم بالتعويض، حفاظاً على حق التقاضي وصوناً من التضييق.